في العام 2012 حين استخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الفيتو الأول، مع الصين، لحماية سورية من مخططات الغرب، كان يلوّح لمن يريد أن يفهم بالحقيقة الإستراتيجية الروسية التي يستبطنها عقل كل قائد روسي كبير واع لموقع بلاده ودورها، وهي الحقيقية التي عبرت عنها الإمبراطورة كاترين الثانية حين كانت تشير، ولو بكلمات أخرى، إلى العلاقة الطردية بين سلامة دمشق وسلامها واستقرار موسكو، لكن في شتاء ذلك العام لم يكن الغرب، ومن معه من عرب الردة، يضم الكثير ممن يصفهم المثل بـ “اللبيب” كي يفهم الإشارة الروسية، فإلى جانب أن مشروع إسقاط سورية كان في مرحلة تسارع وتصاعد كبرى، فإن قناعة الكثيرين بنظرية “نهاية التاريخ” لصالحهم كانت قد أعمتهم عن حقيقة بروز قيادة روسية إستراتيجية تعي جيداً موقع بلادها وقدرات شعبها، والأهم أسس بقائها في عالم لا يعترف سوى بالأقوياء.
وبالطبع كان للقناعة المطلقة بـ “نهاية التاريخ” أن أعمت الغرب أيضاً عن حقيقة مكامن القوة السورية، والقدرات “المخزّنة” لشعب اعتاد على الحياة المستمر منذ أكثر من سبعة آلاف سنة بكثير، وفيما كانت دمشق تستعد في العام 2015 لطي السنة الخامسة من صمودها أمام الحرب العالمية الرابعة التي شنت عليها، كانت القيادة الروسية تستعد للقول علناً، لمن لم يفهم تلميحات 2012 وما بعدها، أن دمشق خط أحمر، وأن الشعب السوري وحده من يقرر شكل دولته وطبيعة حياته.
وكان لهذا “القول” أن فتح باب “الأقاويل”، التي تسمى زوراً بتحليلات إستراتيجية، حول الأسباب الحقيقية لما حدث؟ ولم يكن مفاجئاً أن تتنوع الإجابات وتتعدد بحسب موقع “القائل” الوطني والأيديولوجي ومصدر ثروته البنكية أيضاً.
بيد أن الحقيقة أبسط مما حللوا ونجموا وقالوا، فالرئيس الروسي كان بموقفه هذا يعبّر عن توجه عام للنخبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية في بلاده، شأنه شأن القادة “المفصليين” الذين تتمثل بهم آمال البلاد وتطلعاتها في مرحلة معينة، فالرجل يعي تماماً طبيعة المرحلة وجوهر الصراع، وبالتالي يعرف المطلوب للمواجهة في ظل المخطط المرسوم ليس لسورية فقط بل لبلاده أيضاً.
وبهذا الإطار فإن بوتين تصرف بالطريقة المناسبة في مرحلة تبلور عالم يعرف أن التاريخ لا ينتهي بل هو صراع مستمر والبقاء فيه للأصلح بالتأكيد.
بيد أن ما يضنينا جميعاً كعرب سوريين هو ما يلي: حين تعي النخبة الروسية، محقة، أن حدود أمنها القومي يبدأ من أسوار دمشق، يصبح السؤال مشروعاً للعرب: أين حدود أمنكم القومي؟، وإلى متى سيبقى متعلقاً بأسوار الكنيست وأبواب البيت الأبيض؟.
الشيخ نواف عبد العزيز طراد الملحم
أمين عام حزب الشعب